البرلمان.. ترف المغامرة
كان المشهد يوم 3 يوليو 2013 مهيباً، يعلن انتصار إرادة شعب استرد ثورته وعقد العزم على مواجهة واقعه، يقرأه بعيون مفتوحة ويرسم خارطة طريقه إلى المستقبل، مدركاً حجم المواجهات المناوئة، ويقدر سعى أطراف عديدة لتقويض حلمه بعد أن سقط حلمهم بتفكيك مصر والقفز منها على المنطقة.
جاءت الخارطة باستحقاقات ثلاثة؛ تعديل الدستور ليعبر عن إرادة الشعب ويترجم أهداف الثورة، وانتخاب برلمان يضمن تمثيلاً حقيقياً لكل الأثقال السياسية محملاً بمهمة ترجمة النصوص الدستورية إلى حزمة من القوانين تحمى قيم العدالة والمساواة والمواطنة، وانتخاب رئيس للبلاد يأتى وفقاً لإرادة الشعب.
ووفقاً لمعطيات واقع ما بعد 30 يونيو وبعد الانتهاء من تعديل الدستور وإقراره، وبعد استطلاع موسع ومباشر لعديد من الأطياف الشعبية من مختلف الاتجاهات والأجيال، فى لقاءات مباشرة مع الرئيس السابق عدلى منصور توافق الجميع على إعادة ترتيب الاستحقاقين الأخيرين، ليأتى انتخاب الرئيس أولاً ثم انتخاب البرلمان تالياً. وبالفعل يتم انتخاب الرئيس وتجرى الترتيبات لانتخاب مجلس النواب اتساقاً مع نص الدستور مادة (230): يجرى انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفقاً لما ينظمه القانون على أن تبدأ إجراءات الانتخابات الأولى منها خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً ولا تتجاوز التسعين يوماً من تاريخ العمل بالدستور وفى جميع الأحوال تبدأ الإجراءات الانتخابية التالية خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور.
على أن الأمر يحتاج إلى قراءة المشهد بروية، وفقاً لتشابكات اللحظة، سعياً لإجابة مدققة على سؤال هل لو أجريت الانتخابات البرلمانية الآن ستسفر عن برلمان يحقق وجوداً حقيقياً وتمثيلاً صحيحاً للقوى السياسية المدنية المعبرة عن إرادة الثورة والقادرة على ترجمة أهدافها فى مهمة البرلمان الأولى بتقنين النصوص المرتبطة بهذه الأهداف فى تشريعات قانونية محددة، خاصة أن هذا البرلمان له من الصلاحيات الكثير، والتى وردت فى الباب الخامس (نظام الحكم) الفصل الأول (السلطة التشريعية)، والتى تصل إلى حدود لم ترد فى الدساتير السابقة ولا فى دستور 23 الذى يعد أيقونة الدساتير المصرية، كحق سحب الثقة من الحكومة وتوجيه الاتهام لرئيس الجمهورية وعزله، ويملك للبرلمان بأغلبية الثلثين أن يغير مسار الحياة بجملته بحقه فى إصدار القوانين المكملة للدستور وهى تشمل المفاصل الرئيسية للدولة والحقوق والحريات، وفقاً لنص المادة (121) [.. كما تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثى عدد أعضاء المجلس. وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة فى الدستور، مكملة له].
هنا يكون السؤال: هل المناخ السائد ونحن أمام تحديات حقيقية وتنمر من نظامين سابقين يتحينان الفرصة ويرتبان بإصرار للقفز على الثورة مجدداً عبر سيطرتهما منفردين أو مجتمعين على البرلمان مواتٍ لإجراء الانتخابات؟ هل يمكننا مناقشة تأجيل الانتخابات البرلمانية لعام على الأقل، حتى ننتهى من حسم الموقف من الأحزاب الدينية المتخفية فى صور مدنية، وحتى نعيد هيكلة الأحزاب المدنية التى تعانى من هزال التكوين وصراعات الأجنحة واختلالات الممارسة، وحتى نتيح الفرصة لقوى الثورة الحقيقية لتشكيل تنظيماتها الحزبية المؤسسية التى تمنحهم مشاركة حقيقية فى رسم مستقبل الوطن؟
وهو أمر لا يخالف نص المادة (230) فهى تحدد مواقيت بدء الإجراءات، لكنها لم تشر إلى مواقيت الانتهاء منها، وبصدور قرار السيد الرئيس بتشكيل لجنة الانتخابات البرلمانية نكون قد التزمنا بالنص، دعونا نتريث قليلاً حتى لا نكرر خبرة القفز على الثورة ونكمل مسيرة التصحيح والتنمية.